وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ ﴿الطارق:12﴾
د. زغـلول النجـار
تم نقل المقال من موقع الهيئة العالمية للأعجاز العلمي فى القرأن والسنة
www.nooran.orgونشكر لهم السماح بنشر الأبحاث من هيئتهم المحترمة
-----------------------
هذه الآية الكريمة من خواتيم سورة الطارق, وهي سورة مكية, يدور الخطاب فيها حول أمور العقيدة, ومنها قضية البعث, وقضية صدق الوحي بالقرآن الكريم, وهما قضيتان استحال فهمهما, والتصديق بهما علي المنافقين من الكفار والمشركين والمتشككين عبر التاريخ..!!!. وتبدأ سورة الطارق بقسم من الله( تعالي) وهو الغني عن القسم ـ بالسماء وبالطارق ـ وفي القسم بهما تفخيم لشأنهما, وذلك لدلالة كل منهما علي عظيم قدرة الخالق الذي أبدعهما( سبحانه وتعالي). ومن صور ذلك التفخيم السؤال الموجه إلي خاتم الأنبياء والمرسلين( صلي الله عليه وسلم) عن ماهية الطارق, ثم يأتي الجواب بأنه النجم الثاقب وهو نجم يمثل مرحلة مهمة في نهاية حياة النجوم العملاقة يعرف باسم النجم النيوتروني والنجوم النيوترونية هي نجوم قليلة الحجم, عالية الكثافة تدور حول محاورها بسرعات فائقة مصدرة سيولا من الموجات الراديوية, تتتابع كالطرقات المتلاحقة التي تثقب صمت السماء, وتصل إلينا وهي تدق سماء الأرض بطرقاتها المتلاحقة.
ويأتي جواب القسم بقول الحق( تبارك وتعالي): إن كل نفس لما عليها حافظ, أي أن( الله تعالي) قد جعل علي كل نفس رقيبا حافظا من الملائكة, يحفظها, ويحفظ عنها, ويحصي عليها كل ما تعمل من خير أو شر, في مراقبة دائمة, دائبة, لا تتخلف, ولا تتوقف ابدا, حتي يتأكد الإنسان من أنه محاسب لا محالة, وان اعماله محصية عليه بدقة, وأنه سوف يجزي عليها الجزاء العادل الأوفي. ثم تستمر الآيات بتذكير الإنسان بضرورة النظر في أول نشأته حتي يعرف فضل الله( تعالي) عليه فلا يكفر, ويعرف قدر نفسه فلا يتكبر ولا يتجبر, ويؤمن بأن الذي أنشأه من ماء مهين قادر علي إفنائه, وقادر كذلك علي بعثه بعد موته, وعلي محاسبته وجزائه الجزاء الأوفي, وفي ذلك يقول ربنا( تبارك وتعالي): فلينظر الإنسان مم خلق ويأتي جواب الاستفهام خلق من ماء دافق, يخرج من بين الصلب والترائب ويأتي بعد ذلك القرار الإلهي القاطع: إنه علي رجعه لقادر.
أي أن الله( تعالي) الذي أبدع خلق الإنسان من ماء مهين, لقادر علي إماتته, وعلي إعادة بعثه, أي إرجاعه الي الحياة مرة أخري بعد الموت, ليقف بين يدي خالقه ومبدعه يوم القيامة فردا, بغير أدني قوة ذاتية فيه يمكنه ان يمتنع بها, ولا ناصر يمكنه أن ينتصر به, يقف مقرا بكل فعل فعله, وكل مال اكتسبه او أنفقه, وكل كلمة تفوه بها, ثم يلقي جزاءه العادل في هذا العرض الأكبر أمام الله, في يوم تكشف فيه كل مكنونات الصدور, وجميع ما يكون قد أخفي فيها من العقائد والنيات, ويصفه الحق( تبارك وتعالي) هذا اليوم بقوله: يوم تبلي السرائر فما له من قوة ولا ناصر ثم تستطرد الآيات بقسم آخر يقول فيه ربنا( عز من قائل): والسماء ذات الرجع, والأرض ذات الصدع, ويأتي جواب القسم: إنه لقول فصل, وما هو بالهزل أي أن هذا القول بالقرآن, الناطق بالبعث بعد الموت وبغير ذلك من امور الغيب هو قول فاصل بين الحق والباطل, وهو قول جاد, حاسم, لا هزل فيه, وفي ضوء هذا القول القاطع, الحاسم, الجازم يتجه الخطاب في ختام هذه السورة الكريمة الي رسول الله( صلي الله عليه وسلم) مباشرة, والي من معه من صحابته الكرام( رضوان الله عليهم أجمعين), مثبتا ومطمئنا إياهم ـ وهم يعانون مكابدة الكافرين والمشركين من أهل مكة ـ كما نكابد اليوم غطرسة أهل الكفر واستكبارهم ـ بأن الله تعالي قادر علي أن يقابل كيدهم البشري الهزيل بكيد رباني متين, لا يستطيعون له دفعا ولا منعا, والله علي كل شيء قدير, يستدرجهم من حيث لا يعلمون, ثم يأخذهم أخذ عزيز مقتدر وما ذلك علي الله بعزيز, وفي ذلك يقول الحق( تبارك وتعالي): إنهم يكيدون كيدا, وأكيد كيدا, فمهل الكافرين أمهلهم رويدا أي لا تستعجل عقابهم, وانتظر أمر الله فيهم, فسوف يريكم فيهم عجبا كما نطمع أن يرينا في أهل الكفر والشرك والضلال في زماننا عجبا إن شاء.. والله غالب علي أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون( يوسف:21).
وهنا يبرز السؤال المهم: لماذا أقسم ربنا( تبارك وتعالي) بالسماء ذات الرجع وبالأرض ذات الصدع؟ وما هي أهمية كل منهما التي جعلت منهما مادة لهذا القسم الإلهي, والله تعالي غني عن القسم؟ وقد سبقت الإجابة عن الشطر الأول من القسم في مقال سابق, ونركز هنا علي الشطر الثاني من القسم: والأرض ذات الصدع وقبل الخوض في ذلك لابد لنا من استعراض شروح المفسرين السابقين لهذا القسم القرآني الجليل.
شروح المفسرين لقوله تعالي: والأرض ذات الصدع: